
"ابن العمدة".. الضيف أحمد الذي أسس مملكة الضحك ورحل مبكرًا


يحل اليوم الأربعاء، الموافق 16 أبريل 2025، ذكرى رحيل نجم الكوميديا الاستثنائي الضيف أحمد، الفنان الذي استطاع بعبقريته الفذة أن يترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن المصري رغم مشواره القصير الذي لم يتجاوز سبع سنوات. المفارقة المؤلمة في رحيله تكمن في أنه فارق الحياة في نفس اليوم الذي أدى فيه مشهدًا تمثيليًا يجسد الموت، ليصدق القدر نبوءة "الميت الموضوع" في مسرحيته الأخيرة.
لم يكن الضيف أحمد مجرد فنان شامل يجمع بين التمثيل والكتابة والإخراج، بل كان العقل المُدبر والروح الخلاقة للظاهرة الكوميدية الفريدة "ثلاثي أضواء المسرح"، التي أسسها بالتعاون مع رفيقَي دربه جورج سيدهم وسمير غانم. وبرحيله المفاجئ، انفرط عقد هذا الثلاثي الذهبي الذي أضحك وأمتع أجيالًا من المشاهدين.
وُلد الضيف أحمد في 12 فبراير 1963، حسب ما أكدته زوجته السيدة نبيلة مندور، نافيةً بذلك ما يتردد في بعض المصادر حول تاريخ ميلاده الحقيقي. واسمه بالكامل الضيف أحمد الضيف، وقد حصل على ليسانس الآداب قسم اجتماع عام 1960.
"ابن العمدة" وريث فراعنة الكوميديا:
لم يكن غريبًا على ابن "تمي الأمديد" بالدقهلية، المدينة التي كانت عاصمة مصر في عصر الملك شيشنق الأول، أن يصبح ملكًا للضحك في عصره الحديث. فالأصول الفلاحية الأصيلة لوالده الذي كان عمدة الناحية، أكسبته شخصية فريدة ولهجة مميزة ظل متمسكًا بها، حتى في تعامله مع والدته التي كان يناديها بـ"ياما" بدلًا من "ماما" الشائعة في القاهرة.
روت زوجة الضيف أحمد بعضًا من عاداته الغريبة التي تعكس شغفه الكبير بالفن، حيث كان يحرص على مشاهدة الفيلم الواحد أربع مرات متتالية في السينما، مخصصًا كل مرة للتركيز على جانب مختلف: الصوت والموسيقى التصويرية، التصوير والكادرات، السيناريو والأحداث، والإضاءة. كما كان مولعًا بمشاهدة الأفلام العالمية.
مواقف طريفة
تذكر زوجته موقفًا طريفًا يجمع بين الضيف أحمد والنجمين رشدي أباظة وأحمد رمزي، حيث التقوا في أحد الكازينوهات، وبمجرد أن لمحهم الضيف جالسًا مع زوجته، سارع كل منهما إلى مائدته، ووضع رمزي يده على كتفه بينما سأله رشدي بمزاح: "إنت جايب الست الحلوة دي منين؟"، لتنطلق بعدها موجة من الضحك.
زملكاوي متعصب وصديق الزعماء:
عُرف عن الضيف أحمد تعصبه الشديد لنادي الزمالك، حيث كان يتحول إلى شخص آخر أثناء مباريات الفريق، يقف أمام التلفزيون منفعلًا ويصدر التعليمات للاعبين بحماس بالغ. وعلى الجانب الآخر، كانت ثقافته الواسعة وعشقه للقراءة والمعرفة سببًا في تقربه من العديد من الكتاب والسياسيين، بل وحتى الزعماء، وعلى رأسهم الرئيس جمال عبد الناصر الذي دعاه لحضور حفل زفاف ابنته، والملك حسين الذي كان يستقبله في قصره بعمان.
فلسفة كوميدية وطموحات لم تكتمل
كان للضيف أحمد رؤية خاصة للكوميديا، لخصها في مقولته الشهيرة: "الجمهور عندنا بيضحك لأنه شغل مخه، وعثر فيما تقوله على فكرة، عندما دارت في مخه.. ضحك". كانت هذه الفلسفة هي ما يطمح لتحقيقه في أعماله، لكن القدر لم يمهله طويلًا.
رغم رحيله المبكر عن عمر يناهز 34 عامًا، ترك الضيف أحمد إرثًا فنيًا غنيًا يضم أكثر من 40 عملًا فنيًا ناجحًا، سواء في السينما مثل "القاهرة في الليل" و"المشاغبون" و"عروس النيل"، أو في المسرح من خلال تأليف وتلحين أغاني ثلاثي أضواء المسرح وإخراج مسرحياته. وما لا يعرفه الكثيرون أنه كان مخرجًا موهوبًا في المقام الأول.
رحيل صادم
شاء القدر أن يرحل الضيف أحمد بطريقة مأساوية ومفارقة عجيبة، فبعد أن أدى دور الميت في بروفة مسرحيته "كل واحد وله عفريت"، عاد إلى منزله في الفجر وشعر بالإعياء، ليفارق الحياة قبل أن يصل إلى المستشفى في صباح يوم 16 أبريل 1970.
ورغم التفاف الأصدقاء حوله في حياته، إلا أن الكثيرين انفضوا عن زوجته وابنته بعد رحيله، باستثناء قلة وفية على رأسهم سعاد حسني وتحية كاريوكا وأحمد حلاوة وسهير الباروني، اللاتي لم يتركنها تعاني بمفردها وشملن ابنته الوحيدة بمحبتهن الصادقة.
في ذكرى رحيله، نستذكر قامة فنية بحجم الضيف أحمد، الذي سيظل اسمه محفورًا بأحرف من نور في تاريخ الكوميديا المصرية، وسيظل إرثه الفني يُضحك ويُمتع الأجيال القادمة.


استطلاع راى
مع أم ضد انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي في تصميم الصور
نعم
لا
اسعار اليوم

